سؤال:
ما حكم تصفيق الرجال في الحفلات أو المحاضرات إذا أعجبهم شيء ، أو أرادوا تحية المتكلم في المحاضرة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لم يرد الشرع بالتصفيق في شيء من العبادات إلا للمرأة في الصلاة ، إذا حدث ما يقتضي التنبيه عليه ، لما رواه البخاري (684) ومسلم (421) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) .
فما يفعله بعض الصوفية في حلقاتهم وموالدهم من التصفيق عند الأذكار والأوراد ، لا شك أنه بدعة ضلالة ، وهو مشابه لفعل المشركين عند الكعبة ، قال الله تعالى : (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35.
والمكاء : الصفير . والتصدية : التصفيق .
ثانياً :
أما تصفيق الرجال في الحفلات ونحوها مما ليس عبادة ، فأقل أحواله الكراهة .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
ما حكم التصفيق في الحفلات ؟
فأجاب "التصفيق في الحفلات ليس من عادة السلف الصالح ، وإنما كانوا إذا أعجبهم شيء سبحوا أحيانا ، أو كبروا أحيانا ، لكنهم لا يكبرون تكبيرا جماعيا ، ولا يسبحون تسبيحا جماعيا ، بل كل واحد يكبر لنفسه ، أو يسبح لنفسه ، بدون أن يكون هناك رفع صوت ، بحيث يسمعه من بقربه ، فالأولى الكف عن هذا أي التصفيق ، ولكننا لا نقول بأنه حرام لأنه قد شاع بين المسلمين اليوم ، والناس لا يتخذونه عبادة ، ولهذا لا يصح الاستدلال علي تحريمه بقوله تعالي عن المشركين : (وما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فإن المشركين يتخذون التصفيق عند البيت عبادة ، وهؤلاء الذين يصفقون عند سماع ما يعجبهم أو رؤية ما يعجبهم لا يريدون بذلك العبادة .
وخلاصة القول أن ترك هذا التصفيق أولى وأحسن ولكنه ليس بحرام" انتهى .
ينظر موقع الشيخ ابن عثيمين على الانترنت
وذهب بعض العلماء إلى تحريمه ، لما فيه من مشابهة المشركين ، والنساء .
قال الشوكاني في "نيل الأوطار" : "قوله : (إنما التصفيق للنساء) يدل على منع الرجال منه مطلقاً" انتهى.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
ما حكم التصفيق للرجال في المناسبات والاحتفالات ؟ .
فأجاب :
التصفيق في الحفلات من أعمال الجاهلية ، وأقل ما يقال فيه الكراهة ، والأظهر في الدليل تحريمه ؛ لأن المسلمين منهيون عن التشبه بالكفرة ، وقد قال الله سبحانه في وصف الكفار من أهل مكة : (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35 .
قال العلماء المكاء الصفير ، والتصدية التصفيق .
والسنة للمؤمن إذا رأى أو سمع ما يعجبه أو ما ينكره أن يقول : سبحان الله أو يقول : الله أكبر ، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ، ويشرع التصفيق للنساء خاصة إذا نابهن شيء في الصلاة أو كن مع الرجال فسهى الإمام في الصلاة ، فإنه يشرع لهن التنبيه بالتصفيق ، أما الرجال فينبهونه بالتسبيح كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبهذا يعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبه بالكفرة وبالنساء وكل ذلك منهي عنه . والله ولي التوفيق" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/151) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد :
"لا يُشرع التصفيق في شيء من أمور الدين إلا في موضع واحد للحاجة : وهو للمرأة داخل الصلاة إذا عرض عارض كسهو الإمام في صلاته ، فإنه يستحب لمن اقتدى به تنبيهه : فالرجل ينبه الإمام بالتسبيح ، والمرأة تنبه الإمام بالتصفيق ؛ وهذا لثبوت السنة به عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ) .
ثم حدث في الأمة التعبد بالتصفيق لدى بعض المبتدعة عند قراءة الأذكار ، والأوراد ، والأحزاب ، وفي الموالد ، والمدائح في البيوت ، والمساجد ، وغيرها ، ويظهر أنه منذ القرن الرابع ، فإن الحافظ عبيد الله بن بطة المتوفي سنة 387 أنكر عليهم ذلك ، وقد تتابع إنكار العلماء عليهم ، وتهجينهم ، وتبديعهم ، فمن الذين لهم مقام صدق في ذلك الحافظ ابن الجوزي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وغيرهم ، قديماً ، وحديثاً ، مقررين بالإجماع : أن التعبد بالتصفيق : بدعة ضلالة ، وخروج على الشرع المطهر ، فيجب اجتناب التعبد به ويجب منعه .
ثم في أثناء القرن الرابع عشر تسلل إلى المسلمين في اجتماعاتهم واحتفالاتهم ، التصفيق عند التعجب ؛ تشبهاً بما لدى المشركين من التصفيق للتشجيع ، والتعجب .
وإذا كان التصفيق في حالة التعبد : بدعة ضلالة ، كما تقدم ، فإن اتخاذه عادة في المحافل ، الاجتماعات ؛ للتشجيع ، والتعجب ، تشبه منكر ، ومعصية يجب أن تُنكر ، وذلك لما يلي :
معلوم أن هدى النبي صلى الله عليه وسلم عند التعجب ، هو الثناء على الله تعالى وذكره بالتكبير ، والتسبيح ، والتهليل ، ونحوها ، والأحاديث في هذا كثيرة شهيرة في كتاب السنة ، ترجم لبعضها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقال : "باب التكبير والتسبيح عند التعجب " ، وأدخلها العلماء في كتب الأذكار منهم النووي رحمه الله تعالى في : "كتاب الأذكار" فقال : "باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوها" ، وعلى هذا الهدي المبارك درج سَلَفُ هذه الأمة من الصحابة رضي الله عنهم فمن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا والحمد لله ، وفي هذا استمرار حال المسلم بتعظيم الله ، وتمرين لسانه على ذكر الله تعالى .
إذا عُلِمَ ذلك ، فإنه لا نعلم من المرويات عن المقتدى بهم من أئمة الهدى ، التَّصْفِيْقَ في مثل هذه الحال ، فضلاً عن ورود شيء من ذلك في السنة ، وعليه ، فإن التصفيق في احتفالات المدارس ، وغيرها : إن وقع على وجه التعبد ، فهو بدعة محرمة شرعاً ، لأن التصفيق لم يتعبدنا الله به ، وهو نظير ما ابتدعه بعض المتصوفة من التصفيق حال الذكر والدعاء ، كما تقدم .
وإن وقع التصفيق المذكور على وجه العادة ، فهو منكر محرم ؛ لأنه تشبه (بالكفار) .
ولا نعرف دخول هذه العادة في تاريخ المسلمين إلا في أثناء القرن الرابع عشر ، حين تَفَشَّى في المسلمين كثير من عادات الكافرين والتشبه بهم .
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : "والتصفيق منكر ، يطرب ، ويُخرج عن الاعتدال ، وتنزه عن مثله العقلاء ، ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من : "التصدية" وهي التي ذمهم الله عز وجل بها فقال (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35 ، فالمكاء : الصفير ، والتصدية : التصفيق ، ثم قال : وفيه أيضاً تشبه بالنساء ، والعاقل يأنف من أن يخرج من الوقار ، إلى أفعال الكفار والنسوة" انتهى .
فعلى العبد المسلم أن يتقي الله فيما يأتي ويذر ، وأن يتثبت فيما ينسبه إلى الشرع المطهر" انتهى من "تصحيح الدعاء" (ص 86-89 ) باختصار .
مع تحيات اخوكم الحر..............