ooo
..........
تاتي مواسم الخير في كل عام
و الكيس ( العاقل ) من يغتنم فضل هذه الايام
اللتي يكون الربح فيها مضمونا
فالتسابق في الخيرات و فعل الطاعات
يكون مضاعفا فيها
و من تلك المواسم
يوم عاشوراء و فضل الصوم فيه
و اليكم هذه الكلما ت المنقولة لتعم الفائدة للجميع
و لا تنسونا من دعواتكم
خرَّج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل"(1). الكلام على هذا الحديث في فصلين: في أفضل التطوع بالصيام، وأفضل التطوع بالقيام.
في فضل التطوع بالصيام:
وهذا الحديث صريح في أن أفضل ما تطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم.
وأفضل صيام الأشهر الحرم صيام شهر الله المحرم، ويشهد لهذا أنه صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث: "وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل"(2) ومراده بعد المكتوبة ولواحقها من سننها الرواتب، فإن الرواتب قبل الفرائض وبعدها أفضل من قيام الليل عند جمهور العلماء؛ لالتحاقها بالفرائض.
وأفضل شهر الله المحرم عشره الأول. وقد زعم يمان بن رئاب أنه العشر الذي أقسم الله به في كتابه، ولكن الصحيح أن العشر المقسم به عشر ذي الحجة.
ولما كانت الأشهر الحرم أفضل الأشهر بعد رمضان أو مطلقاً، وكان صيامها كلها مندوباً إليه، كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بعضها ختام السنة الهلالية، وبعضها مفتاحاً لها، فمن صام شهر ذي الحجة سوى الأيام المحرم صيامها منه، وصام المحرم، فقد ختم السنة بالطاعة وافتتحها بالطاعة، فيرجى أن تكتب له سنته كلها طاعةً، فإن من كان أول عمله طاعةً وآخره طاعةً، فهو في حكم من استغرق بالطاعة ما بين العملين.
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله. وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمداً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء –صلوات الله عليهم وسلامه- إلى عبوديته، ونسب إليه بيته وناقته.
ولما كان هذا الشهر مختصاً بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصيام من بين الأعمال مضافاً إلى الله تعالى؛ فإنه له من بين الأعمال، ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إليه، المختص به، وهو الصيام.
ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزئ به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي"(3).
صيام عاشوراء:
في الصحيحين(6) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن صوم يوم عاشوراء، فقال: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم، يعني يوم عاشوراء؛ وهذا الشهر، يعني رمضان". يوم عاشوراء له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة، وصومه لفضله كان معروفاً بين الأنبياء عليهم السلام، وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام.
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم في صيامه أربع حالات:
الحالة الأولى:
أنه كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم. ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما نزلت فريضة شهر رمضان كان رمضان هو الذي يصومه، فترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء أفطره(7). وفي رواية للبخاري: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شاء فليصم، ومن شاء أفطر".
الحالة الثانية:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له، وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به، صامه، وأمر الناس بصيامه، وأكد الأمر بصيامه، والحث عليه، حتى كانوا يصومونه أطفالهم.
ففي الصحيحين عن ابن عباس، قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه(
.
وفي مسند الإمام أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء، فقال: ما هذا من الصوم؟ قالوا: هذا اليوم الذي نجى الله عز وجل فيه موسى عليه السلام وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون. وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي، فصام نوح وموسى عليهما السلام شكراً لله عز وجل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم، فأمر أصحابه بالصوم. وفي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم: أمر رجلاً من أسْلَمْ أن أذن في الناس: من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم؛ فإن اليوم يوم عاشوراء"(9).
وفيهما(10) أيضاً عن الربيع بنت معوذ، قالت: "أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائماً فيتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه. فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه إياها حتى يكون عند الإفطار".
الحالة الثالثة:
أنه لما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بصيام يوم عاشوراء وتأكيده فيه، وقد سبق حديث عائشة في ذلك. وفي "الصحيحين"(11) عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك ذلك". وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه. وفي رواية لمسلم(12): أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه، والمسلمون، قبل أن يفرض رمضان، فلما افترض رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عاشوراء يوم من أيام الله؛ فمن شاء صامه، ومن شاء تركه".
وفي "الصحيحين"(13) أيضاً عن معاوية، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم؛ فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر". وفي رواية لمسلم التصريح برفع آخره.
الحالة الرابعة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم في آخر عمره على ألا يصومه مفرداً، بل يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب في صيامه، ففي صحيح مسلم(14)، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل –إن شاء الله-صمنا اليوم التاسع". قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية له أيضاً(15)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع". يعني عاشوراء.
وفي مسند الإمام أحمد(16) عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه سلم قال: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، صوموا قبله يوماً وبعده يوماً". وجاء في رواية "أو بعده".
فإما أن يكون "أو" للتخيير أو يكون شكا من الراوي؛ هل قال قبله أو بعده. ورُويَ هذا الحديث بلفظ آخر وهو: "لئن بقيت لأمرن بصيام يوم قبله ويوم بعده". يعني عاشوراء. وفي رواية أخرى "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ولآمُرَّن بصيام يوم قبله ويوم بعده"، يعني عاشوراء. أخرجهما الحافظ أبو موسى المديني. وقد صح هذا عن ابن عباس من قوله من رواية ابن جريح، قال: أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول في يوم عاشوراء: خالفوا اليهود، وصوموا التاسع والعاشر. قال الإمام أحمد: أنا أذهب إليه.
وروي عن ابن عباس أنه صام التاسع والعاشر، وعلل بخشية فوات عاشوراء.
وكان اليهود من أهل المدينة وخيبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخذونه عيداً، وكان أهل الجاهلية يقتدون بهم في ذلك، وكانوا يسترون فيه الكعبة. ولكن شرعنا ورد بخلاف ذلك. ففي "الصحيحين"(17) عن أبي موسى، قال: كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود وتتخذه عيداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموه أنتم". وفي رواية لمسلم: كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فصوموه أنتم".
وكل ما روي في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء والاختضاب والاغتسال فيه، فموضوع لا يصح.
وأما اتخاذه مأتماً كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه، فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً، فكيف بمن دونهم.
منقول من موقع الاسلام اليوم ( الذي يشرف عليه الشيخ سلمان بن فهد العودة )
و لا تنسونا من خالص دعائكم
..........